مشاوير يقودها الرشيد طه الافندى مع السلطه الرابعه

في أرض المناصير.. توسُد الوعود والأحزان علي شواطئ بحيرة سد مروي


نصرالدين الطيب: أجراس الحرية
كل شئ في قرى "الخيار المحلي" بالنسبة لأهل المناصير المتأثرين بقيام سد مروي ومن الذين اختاروا السكن حول بحيرة سد مروي ورفضوا مغادرة أرضهم، يتحدث عن مأساة متطاولة صورها تتجلى وتتضح في أشكال المعاناة العديدة التي واجهها الناس هنا ولا يزالون يعيشون تفاصيلها، فكل خطوات بداية الحياة بالنسبة لهم تدور بحثاً عن الصفر حتى تنطلق المسيرة وتبدأ أمور حياة عادية قوامها الأرض والماء، لكن الأخيرة قضت على وجودهم بالمنطقة بعد أن ارتفعت بحيرة سد مروي وغمرت من تحتها حياة كاملة للمناصير لم يبقى منها إلا ذكريات مليئة بالحسرة والألم، كلما القى أهل المناصير نظرة على هامات النخيل اليابسة والموزعة بطول وعرض البحيرة، وكل شئ متعلق بحياتهم الأولى المعتمدة على الزرع والضرع قد قضى نحبه ولم يستطع التنفس ومواصلة الحياة من تحت الماء.
على مدخل قرية "برتي" الحدودية مع الولاية الشمالية والتي يرابط سكنها في إصرار حول بحيرة السد، على هذا المدخل سقطت لافتة ننقل منها بتصرف "مشروع إعادة توطين مناصير الخيار المحلي.. منطقة ام سرح" ،إذاً هذه هي واحدة من المدن التي التزمت الحكومة بتعويض المتأثرين فيها للمساكن والأرض الزراعية، أمتار من هذا المكان وبدأت القرية مكتملة من حيث الخدمات وعلت فيها مئذنتين ومدرستين ومركز صحي، وفي تخطيط هندسي متناسق تراصت أعمدة الكهرباء ويبدو شكل المدينة واضحاً من خلال التخطيط الهندسي للمنازل على الأرض، لكن المدينة علي هذا الحال لسنين عددا، وأنه بعد إعلان رئيس الجمهورية التزامه بتوطين المتأثرين من منطقة المناصير الذين رفضوا الهجرة الي مناطق الفداء نواحي أبوحمد والمكابراب نواحي الدامر وتمسكوا بالبقاء حول البحيرة وعدم مغادرتهم أرضهم، تحقق هذا الجزء الأول من الشكل الهندسي للمدينة وتم توصيل الخدمات أعمدة كهرباء ومدارس ومركز صحي ومسجدان وصهريج خال من الماء وشبكات مياه يتم العمل فيها الآن، والجزء الأهم بالنسبة للمواطنين هو المشروع الزراعي الذي يجاور المنطقة لكنه مجرد قطعة أرض فسيحة تضاريسها تعج بالكثير وتحتاج لكثير من العمل حتى تتحول الأرض الى زراعية منتجة.
ويقول المواطنون هنا في الجانب المتعلق بالمساكن التي اقترحتها عليهم الحكومة والمتمثلة في مساكن ما يعرف بـ(الفلين) والتي بدأت الحكومة فعلياً في إنشاء بعض المساكن من هذه المادة، لكن المتأثرين واجهوا هذا العمل برفض قاطع لاسيما وأن المادة الأساسية المكونة لهذه المساكن هي مادة الفلين التي لا تقوى على متغيرات الطبيعة في تلك المنطقة، وتكلف هذه المساكن المرفوضة من قبل المتأثرين حوالي الستين مليون جنيه للمنزل الواحد، ويقول المواطنون بان الحكومة رفضت قبول طلباتهم المتعلقة بإبدال هذه المنازل ببديل نقدي قيمته حوالي السبعة عشر مليون جنيه حتي يتمكن المواطنون من بناء منازلهم كل بطريقته في القطعة المخصصة له، والشاهد إن غالب مخطط مدينة (أم سرح) صمم على أساس إكمال العمل في هذه المباني التي رفضها المواطنين احتجاجاً على ضيقها المادة المكونة لها.
في قرية (برتي) التي يتأهب سكانها وفقاً لأحاديث الرسمين للهجرة إلى خيارهم مدينة ام سرح التي تحت التشييد، في هذه القرية تتبدى مظاهر المعاناة والوجوه هنا منهكة وشاحبة، والإعياء علي ما يبدو واضحاً هو الآخر، مساكن القرية من الطين اللبن انتشرت في مساحة عالية خوفاً من هدير مياه البحيرة التي قالوا انها غمرت مساكنهم لأكثر من ثلاث مرات، بحيث إنهم استقروا في منطقة قريبة من مساكنهم الأول بعد أن استقر منسوب البحيرة على ارتفاع اطمأن له المواطنين، لكن لم يدم على استقرارهم طويلاً حتي فاجأتهم البحيرة بارتفاع غمر من جديد المساكن الحديثة، وظلوا على هذا الحال يتنقلون من مرتفع الى آخر لأكثر من ثلاث مرات حتى استقر بهم المقام في المنطقة الحالية ولا يعلمون ماذا تخبئ لهم هذه البحيرة الضخمة التي خلفها سد مروي، لكنه ومن خلال شكل المعمار الهش الذي شكل الطين أساسه لا يبدو بأنهم سيستمرون كثيرا بالمنطقة.
ويدعم هذا الزعم ما ذهب اليه كثيرمن المواطنين الذين تحدثت اليهم (أجراس الحرية)، ويقول محمد علي عبد الله إنهم متواجدون لأجل التواجد قرب بلاد عزت عليهم كثيراً، ولولا ذلك لم نتواجد هنا، انظر من حولك ما الذي يبقينا هنا لا شئ يعيدنا الى الحياة من جديد وممارستها بشكل طبيعي، الأرض المعمورة بالنخيل هي الآن تحت هذه البحيرة متلاطمة الأمواج، وهو يشير الي الاتجاه الشمالي الشرقي من المكان الذي كنا نقف عليه، ويقول "هناك كانت قرية برتي"، وهناك.. وهناك.. وهناك ..وهناك .. كانت مجموعة القري التي تكون منطقة المناصير شرقاً وغرباً.
السؤال الذي وجهته لعدد من الشباب المجتمعين قبيل مغرب ذلك اليوم أمام متجر صغير بالمنطقة، على ماذا يعيش الناس هنا، جاءت إجابته جماعية من الحاضرين، لكن منصور عثمان تطوع بالرد المفصل على البحيرة طبعاً .. نحن تحولنا من مزارعين الي (حواتة).. ويقاطعه بالرد الشباب المتواجدون بالمكان وبإجماع: نعم نحن الآن نسترزق على البحر، وأنت تعلم إنه في الماضي وقبل أن تغمرنا المياه كنا مزارعون وأصحاب ملك حر نقتات من ثمرات أرضنا، وغير مهمومين بهذا السؤال نعتمد علي الزراعة وبين إنتاج النخيل والموسم الشتوي والفواكه والذرة تجود علينا الأرض باختلاف المواسم، نطعم منها من الحيوانات ما تطعمنا، الآن الأرض وما عليها حتى من أرواح الأغنام والأبقار هي الآن تحت البحيرة بعد أن نفقت جوعاً، ونحن الآن نعتمد كذلك علي ما هو أيضاً تحت البحيرة فالعمل في صيد الأسماك جديد علينا ولا نعرف تفاصيله جيداً، لكننا بلا عمل سنجتهد حتى تتحسن الأمور التي وعدتنا بها الدولة التي يتوجب عليها حسب ما قال شاب آخر أن تفي بمتطلبات أهل المناصير كافة وغير منقوصة اعتقد "انو كفاية تباطؤ وإهمال الي هذا الحد" ولا يعقل ان التزامات رئيس الجمهورية يقف أمامها مسؤولون صغار وبالتالي يتسببون في كارثة إنسانية ستواجه المنطقة بسبب عدم استكمال المقترح من المشاريع الزراعية والمدن السكنية بالمناطق التي اختارها المتأثرين أو بما يعرف بـ(الخيار المحلي).
في صباح باكر وشتوي القسمات تجمع أطفال من منطقة برتي انتظاراً للعربة (بوكس) يستأجرها السكان لترحيل الطلاب الى مدرسة ام سرح الأساسية، ويقول المعلم بالمدرسة الشيخ أحمد الشيخ إن قوام هذه المدرسة حوالي 230 طالب يواجهون مشاكلاً عديدة في مسيرتهم التعليمية بدءاً بالمسافة الطويلة التي يقطعونها الي مقر المدرسة بمنطقة ام سرح، هذا الي جانب أن المدرسة حديثة التكوين وينقل لها السكان الماء لشرب أبنائهم هذا الي جانب عدم وجود دورات للمياه، وقال إن المدارس كانت بعد غرق المنطقة داخل خيام ومازالت مناطق كثيرة يتلقي تلاميذها الدروس داخل تلك الخيام.
ويقول الشيخ إن طلاب المدرسة الثانوية في إجازة إجبارية بعد أن عجزت الدولة بإكمال متطلبات إنشاء المدرسة مما اضطر التلاميذ إلى تجميد الدراسة في هذا العام مع أمل أن تلتزم الحكومة العام القادم بفتحها لكنه بدا غير واثق من ذلك.
في "راكوبة" كبيرة تجمع العديد من أهالي القرية يلعبون الورق ويتبادلون شؤونهم، دخل عبد الكافي عبدالله الذي عرفت من بعد انه المساعد الطبي بالمنطقة في حوار هامس مع أحد الجالسين وانتهي هذا الحوار بعبد الكافي بفتح كيس أسود اللون كان قد وضعه في بداية الجلسة تحت سرير تدلت منه حبال نسيجه، وأخرج عبد الكافي حبوب (مضاد حيوي، كبسولات وحبوب أخرى) وأعطاها محدثه الذي دس الي يد عبد الكافي بالمقابل مبلغاً مالياً، اقتربت هنا من الرجل وسألته بعد عرفت انه المساعد الطبي بالمنطقة عن عموميات الأحوال الصحية بالمنطقة، ضحك الرجل ورفع كيسه وقال :"دا مستشفانا" الحمد لله، وقال إنه يتجول بأدويته على المنازل ويعالج المرضي بعد أن غمرت البحيرة مركزين صحيين بالمنطقة، وقال إنه يأتي بالأدوية من مدينة مروي " عادي من الصيدليات ويوزعها على المرضى بمقابل وبمرات كثيرة بدون مقابل مادي تماشياً مع ظروف معدمين نعرفهم بالمنطقة".
الطريق من منطقة برتي الحدودية إلى باقي قرى المناصير في اتجاه الشمال خلوياً ولا يخلو من مخاطر تواجه المسافرين لاسيما وانه طريق جديد ويمر بوديان وجبال كثيرة وتكثر فيه كذلك التقاطعات الفرعية، والوصول الى مشارف جزيرة (شيري) بالمنطقة تطلب زمناً تجاوز الساعة بعربة صغيرة دفع رباعي، ومن أعلى المرتفعات التي تجاور المنطقة تظهر من جديد ملامح غرق الجزيرة، فهامات بعض النخيل وصهاريج المياه لم تطالها مياه البحيرة وتظهر في ثبات وسط الماء، في رحلة الهبوط الى مراسي الجزيرة يظهر سوق "النعوفاب" شرقي الجزيرة، وهو سوق كل يوم اثنين من أيام الأسبوع، ولا يدل معمار السوق على أن هناك منطقة تسوق سوى الزحام القليل للمواطنين، فالمتاجر الطينية توزعت بين المرتفعات ولا مساحة لتحرك السيارات داخل السوق، ويبدو أن حتى البنيان المكون للسوق يبدو حديثاً، وعندما سألنا عن سر اختيار هذه المساحة الوعرة لأن تكون مجمعاً تجارياً، رد أحد الشباب المتسوقين وقال إن السوق من أقدم الأسواق بمنطقة المناصير، لكنه مؤكد لم يكن بهذا الشكل الذي تراه به الآن فالسوق كان منظماً ومبانيه عتيقة ويأتيه أهل المناصير من كل الجزر والقرى من على الضفتين الشرقية والغربية للتسوق، لكن بعد أن غمرت البحيرة السوق القديم والجزر والقرى بالمنطقة، أصبح التسوق في ذاته لا معنى بحيث لا يملك رواد السوق المؤهلات المالية للشراء، وهذا الزعم يؤكده قول العم محمد عمر رحمة الذي يتوسط مجموعة من المحصولات افترشها على الارض، ويقول رحمة إنه ظل يتردد الى السوق منذ أسابيع بنفس كمية بضاعته ولم يبيع منها إلا اليسير، ويرجع رحمة هذا الكساد الى فقر الجيوب والاستغناء عن محصولات بقولية مهمة كالفول والفاصوليا والحمص وغيرها، ويقول .. لأكثر من عامين الناس هنا بالمناصير يعانون وتزداد معاناتهم يوماً بعد آخر والحكومة يبدو أن أمورنا لا تعنيها في شئ..
ويزيد أنا أعمل تاجر قطاعي في هذه المحصولات البسيطة التي أمامك، ومعروف إن التجارة قروش وكسب، لكن الأمر بالنسبة لي هو محاولة للبقاء على قيد الحياة بعد أن فقدت كل شئ، وأعرف إن ما أبيعه من محصول لن يعود من جديد فبقيمته أشتري مستلزمات أكل وشرب أسرتي التي أعولها وأنا بلا عمل، انتهي كل شئ بأرض المناصير ومازلنا نطلب من الحكومة أن تعوضنا أملاكنا التي فقدناها تحت البحيرة.
أعدت من جديد في سوق (النعوفاب) السؤال حول وسائل كسب العيش على مجموعة من المتسوقين بينهم شباب وكهول، ضحكوا ساخرين جميعاً، وانبرى محمد علي حامد.. "شوف ياسيدي نحنا كنا في أمان.. لكننا الآن في وجه العاصفة" وكل ما تبقى من أهل المناصير الذين فضلوا الخيار المحلي يعيشون على حد الكفاف ويعتمدون على ابنائهم الشباب الذين انتشروا في أرجاء المعمورة بحثاً عن الرزق بعد انتهي كل شئ هنا، وما تبقى من السكان يعتمدون على ماتجود به البحيرة من سمك من وقت لآخر"، ويقول حتى الآن الأمور تمشي بالبركة والذي يملك يعطي أخيه الذي لا يملك، وكل الموجودين هنا بأرض المناصير لا يطلبون من الحكومة سوى حقوق مكفولة لهم بالقانون وهي الآن أمام أعينهم تغمرها البحيرة فأرض الأجداد وما عليها هي الآن تحت الماء.
في الضفة الشرقية اختفت معالم رئيسية لجزيرة شيرى، وصعدت البلدة الى سفوح الجبال، ويجتهد السكان بايجاد أرض زراعية تفي بحاجة الطعام بين تضاريس المنطقة الجبلية بعد فقدانهم لكافة المساحات الزراعية التي يعتمدون في العيش عليها، وفي الجانب الآخر "المنطقة الشرقية" ظهرت آثار معمار جديد في منطقة خلوية وقوام هذا البناء الطين اللبن ويبدو في مراحل أولية، وعند وصولنا للمنطقة علمنا إن هذا البناء يتبع لمحلية البحيرة حديثة التكوين بعد اتفاق لجنة متأثري المناصير مع الحكومة علي تكوينها لمباشرة شؤون المتأثرين.
ويقول عضو لجنة المتاثرين بمنطقة المناصير الرشيد الأفندي إن رئيس الجمهورية في زيارته الأخيرة للمنطقة اعترف بخيارات المناصير المحلية وأصدر قراراً بتوجيه والي ولاية نهر النيل بتنفيذ الخيار المحلي للمناصير وبداية العمل الفوري للخدمات والتعويضات وتبرع بحوالي أربعة مليارات جنيه استلمتها حكومة ولاية نهر النيل ووعدت بتحويلها الى خدمات بقرى المتأثرين، لكن منذ تاريخه الذي مضى عليه أكثر من عام أصبحت المسألة في التنفيذ.
ويفترض أن يبدأ العمل في المشاريع الزراعية الستة المقترحة إضافة الى الخدمات في الستة خيارات، وأضافت حكومة الولاية من لديها التزام بأن أي تجمع يتجاوز الثلاثمائة أسرة ملتزمة بخدماتها، لكن الواقع إن الحكومة لم تنفذ الى مبان خدمات في مشروعين من الستة مشاريع في منطقة ام سرح وأبوحراز، وحتي الآن لا يوجد تنفيذ فعلي وتتعلل حكومة الولاية بعدم وجود التمويل الاتحادي لتنفيذ هذه المشروعات.

UP

ليت المتعلمين من ابناء بلدي يفقهون ؟؟؟؟

اخى الحاج تحية طيبة وكل سنة وانت طيب مشاورات (موظف) الاعلام باللجنة التنفيذية اخى الرشيد هو مدير شركات مليشيا الدفاع الشعبى لم تنجح او قصد منها ان لاتقدم اى حلول فمابال بموظف الاعلام وكما قال اخى حازم ليت المتعلمون من ابناء بلدى يفقهون

شكرا الحاج.
الرشيد وفقك الله..
اخي حدوري نحن محتاجين لي اي حد يظهر قضيتنا للاعلام.

معك حق اخى جبريل نحن محتاجين ان نخاطب الاعلام الوطنى والعالمى ايضا وليس تغطية اخبار اللجنة فحدثوا موظف اعلام اللجنة ان يخلع قميص اللجنة ويخاطب الاعلام بما يحتاجة المناصير من حقوق