تاج السر نعمان عثمان سليمان نعمان قمر الشيخ

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

تاج السر نعمان
أستاذ الأجيال الخالد في نفوسنا
تمهيد:-
الاسم:-
تاج السر نعمان عثمان سليمان
سنة الالتحاق بالسلك التعليمي:-
1963 بمدرسة شري الابتدائية
العمر لحظة الالتحاق بالسلك التعليمي:-
19 سنة ميلادية
العمر الآن:-
حوالي68 سنة.. مد الله في عمره
مقدمة المقدمة:-
سأتناول اليوم شخصية هامة للغاية في سلك التعليم، تأثرت بها أجيال كبيرة وكثيرة، وساعدت في ولوج عدد كبير من أبناء المناصير إلى الدخول للمدارس الوسطى والمتوسطة، والثانوية العامة، حسب مسميات كل مرحلة.
وقد جاء الاهتمام بالبحث حول هذه الشخصية المختارة الآن، وهي مصدر بحثنا للأسباب الآتية:-
1- أولاً لأنه ابن عمدة المناصير، وليس للعمودية في ذاتها، ولكن لأنه ترك كل شئ مما يلي العمودية وبهرجها الإداري وانخرط في سلك التعليم محبة وإخلاصاً وتفانياً.
2- لأنه عشق هذه المهنة وأخلص لها إخلاصاً يفوق الوصف.
3-لأنه وضع على عاتقه مهمة نجاح معظم الطلبة الذين يدرسهم، ويوليهم عنايته الخاصة
4- لأنه شخص منضبط للغاية في التدريس، وحصيف كل الحصافة، وملم بمادته إلماماً تاماً
5 لأنه شخص نال إعجاب الطلبة ومصدر خوفهم ورعبهم في نفس الوقت، وذلك نابع من صرامته في حقل التدريس.
7 وسامته، واهتمامه باللبس والهندام خلق شخصية معلم متفردة بين اقرأنه الأساتذه.
8 مكانته الاجتماعية الكبيرة والعالية في نفوس العامة
المقدمة:-
ولج تاج السر نعمان سلك التربية والتعليم في زمن، كان فيه المعلم، تاج على الرؤوس، ومنارة يهتدي إليها كل ضال. وكانت وظيفة المعلم، وظيفة تنقطع دونها الأعناق، وتركع لها الهامات الكبار، وتشرئب إليها افئدة الطلبة، ويتمناها كل طالب.. تلك المرحلة هي مرحلة الستينات من القرن الماضي.. حيث الحياة، هادئة الوتيرة، وحيث الظروف الاقتصادية المناسبة، وحيث الاسعار الثابتة، وحيث طيبة الناس، حيث لم تشتتهم آفات الحياة شذر مذر.. وحيث لم تختلط الأوراق، التاجر تاجر فحسب، والمعلم معلم وكفى، وسادة المجتمع معروفون..أكسب هذا العهد الذهبي من تاريخ التطور شخصية المعلم، بهرجاً وبريقاً وضياءاً لا يدانيه ضياء.
متن الموضوع:-
أشقاؤه من أمه:-
والدته الروضة بت عوض الكريم( ذات الصلة بقرية الروم، وشري، وكسلا أولاد التيجاني)
أشقاؤه
1 سعدية نعمان عثمان زوجة معلم الأجيال أحمد محمد عثمان كارلس رحمه الله.. هي أيضا امرأة عظيمة الصفات والطيبة..( وترتيب تاج السر بين أخوانه وأخواته ، الثاني، اصغر من سعدية والذي يليها)
2هاشم نعمان عثمان( متواجد الآن بكسلا، وله زواج ابنه الوحيد هذه الايام خلال هذا الشهر).. وقد كان يعمل كمفتش زراعي ومن أوائل أولاد المناصير الذين تعلموا
3مريم نعمان عثمان( هي زوجة حسين السيد الحسين وأم أولاده الكبار رحمها الله بقدر ما قدمت لعيال منصور، وربنا يجعل البركة في ذريتها، وقد تزوج ابنهاالثاني مدثر حسين السيد، خلال هذا الشهر الجاري ببورتسودان، وقد كانت الفرحة عارمة بزواجه، إلا أنه تخلل هذه الفرحة قطرات من دموع ذوارف على فقيدتهم وتجدد ذكراها، قطرات دموع ذوارف من حسين في ذكرى عقيلته، المرأة المضيافة الكريمة، جميلة الصفات.. رحمها الله بقدر ما قدمت.ودموع ذوارف من بقية أبنائها وبناتها.
4 زينب نعمان عثمان:- رحمها الله، لقد كانت إمرة عظيمة، هاشة باشة في وجه الكل، وجعل البركة في ذريتها، هي زوجة محمد الملك إبراهيم السابقة رحمها الله رحمة واسعة
5 خديجة نعمان عثمان عثمان:-
زوجة أخينا وصديقنا خليفة محمد خير حمد ضقولي( بالمملكة العربية السعودية)
6 جعفر نعمان عثمان( مغترب بالإمارات العربية المتحدة، ابوظبي) كان طالباً حاد الذكاء، وقد كان دفعتنا، وأحرز درجة عالية للغاية في امتحان الشهادة السودانية، ودخل جامعة الخرطوم كلية الاقتصاد، ولكنه رفضها، وآثر العمل الوظيفي)
7 ميرغني نعمان عثمان رحمه الله توفي شاباً حوالي 11 سنة
وتجد أن الرابط الأساسي بينهم هو الذكاء الخارق المستمد من والدهم عمدتنا نعمان عثمان، ممزوجاً بالعاطفة، والطيبة والأخلاق، والبشاشة المستمدة من والدتهم الروضة رحمها الله ، لقد كانت إمرة عظيمة، كلها مشاعر جياشة وطيبة وكرم وإنسانية، تهش في وجه الصغير قبل الكبير، تساعد الأيتام، تجوب معظم المناصير في أفراحهم وأكراحهم.

كنا نعرفه أستاذ تاج السر ابن الحلة المجاورة لنا السلمات، كنا نعرفه وهو طالب في معهد شندي لإعداد المعلمين.. نظير معهد بخت الرضا.. ومعهد الدلنج، حيث يعد فيهم المعلم في سنتين دراسيتين بعد المرحلة الوسطي..4 سنوات ابتدائي.. وأربعة سنوات مدرسة وسطي.. وسنتان في معهد شندي مثلاً..10 سنوات دراسية في زمن صعب يؤهل فيهما الطالب في سنتين دراستين في معهد شندي لينال دبلوم المعلمين الأوسط.. لعمري وهو دبلوم لاتدانيه الآن شهادة البكالريوس، بل ولا تدانيه شهادة الدكتوراه، التي يحمل أوراقها بعضنا الآن.. كانوا مؤهلين غاية التأهيل، وملمين بالوسائل التعليمية خير إلمام،كانوا وكان جيلهم من المعلمين كوكتيلاً من عصارة التدريس، وعصارة التربية وعصارة الإلمام بنفسيات الطالب، وهم في قمة الوجل والخوف من ضخامة هذه المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم.
كنا نلتقي تاج السر في السوق وفي البوش والأعراس والأفراح والأتراح ونحن أطفال دون السادسة.. أو الخامسة من العمر.. هو كان طالب نهائي في معهد شندي، وامتحن وجاء نهائي، وكان خايف من الرسوب، لابس جلابية لونها رمادي شوية، كنت ومعي أطفال نرعى الغنم في السمر والطلح والسلم، الموجود في ( ساقية الترب) مقابر ودي شري.. تلك المقابر العريقة العتيقة بين قريتنا وقريتهم، كانت معنا عجوز بأغنامها، لأننا صغار ولانستطيع جمع الأغنام وقتما تهرب منا.. كانت هذه العجوز لما تسرح بأغنامها، يضيفوا اليها أغنامنا، لتراعينا وتوجهنا، وكانت فرصة لنتعلم الرعي معها، ولكن حينما لاتكون هذه العجوز موجودة، تكون فرصة الرعي لأخواتنا الأكبر منا سناً لوحدهم، لتمرسهم على هذه المهنة الشاقة.. يومها كانت معنا هذه العجوز اسمها( مريم بت صغيير) بيضاء اللون.. تضع في يدها سبحة دائماً.. تجيد فن التوسل والدعاء أمام قبور وضرايح الصالحين.. هي شقيقة عاشة بت صغيير.. وشقيقة سارة بت صغيير زوجة جد مصباح محمد مصباح.. زوجة مصباح الثانية والأخيرة..
جاءها تاج السر نعمان، وأعطاها شلن.. وقد كان الشلن مبلغاً كبيراً للغاية، وقال لها ( عمتي مريم، الليلي عايزك لى كبيري.. عايزك تتقلدي لي ضرايح وبوارق جميع الصالحين في هذه المقابر، وتدعي لى.. الشيخ ود أب تـَرَاكَـه، والشيخ ود عيسى، والشيخ الفكي علي.. تدعي لى ربي ينجحنى في الامتحان، وإتخرج مدرس)
فرحت مريم وقامت بمهمتها ونحن نتحول معها من قبر الى قبر.. وعقولنا مدهوشة وعيوننا مبحلقة، ومذهولين جملة وتفصيلا من هذه الطقوس.
أفرغت ما في جوفها من دعاء، وتوسل، وابتهال، وأخلصت، حتى تهلل وجه تاج السر بالبشر..
أخدوه مدرس في شري
وماهي إلا أشهر معدودة، حتى سمعنا أن ود العمدة تاج السر نجح في الإمتحان، وأخدوه مدرس في شري ، وجاء يتدرب فيها ، وقد كان ذلك في بداية عام1962..
وشاءت الأقدار أن أكون أول دفعة بالنسبة له، يدرسنا في أولى إبتدائي1963.. بعد( القـُرْعَـه) طوالي دخلونا صف أولى.. خايفين.. مقهوريين.. كلنا هواجس فارقنا اللعب.. فارقنا العوم.. زي الغنم الجايبنهم من العتمور، عشان يحبسوهم في(كـَرْ) ينظرون الينا أولياء الأمور بأننا محظوظين. أخدونا كمان داخلية. في ناس أولادهم رجعوا ساكت. ما قبلوهم..
في أول يوم في سنة أولى إبتدائي، في ولد خاف، وبال في الصف، لأنه أصبح في واقع جديد، كالطفل الذي يخرج من خلوة الرحم الى عالم جديد بالنسبة له، يحتوشه الخوف المبهم من جميع أقطاره، ولذلك هو يصرخ، لأنه قد أفسدت عليه خلوة الرحم التي عاشها بدون ضوضاء، يأتيه أكله رغداً جاهزاً. امتلأت رئتيه بالهواء فصرخ.. أما هذا فبال... خوفاً من المجهول الذي وضع فيه.. خلا ص بقيتوا ولاد كبار لازم تفارقوا الكنف الرؤوم ، والداتكم.
في الصف الأول في الكنبة الأولى من جهة اليسار، كانت تجلس مجموعة، فيها علي حسن علي صديق، أعطى تاج السر نعمان في أول حصة كل طالب كراس، ووضع على كل طاولة مجموعة ألوان.. ألوان شمع، غير موجودة مثلها في دكاكين شري.. ألوان حاكومة، شممتها، لها رائحة مميزة، قال أستاذ تاج السر، كل واحد يرسم أي حاجة، خلونا نكتشف مواهبكم.. ناس رسموا، ناس ما عرفوا يمسكوا اللون والقلم.. علي حسن علي كان في الكنبة المجاورة لى.. رسم حمار، كأحسن ما يكون الحمار، أبوه كان معلم، متمرس على الخط.. ولكن وبخه أستاذ تاج السر وقال له: إنت رسام وأكيد راح تتطور عندك موهبة الرسم، لكن لونتا الحمار بالون الأخضر كلو! ليه! شفتا ليك حمار أخضر.. سالت علي حسن علي خارج الحصة قلت ليهو إنت لونتا الحمار أخضر ليه! قال لى: إستهبال.. قلت ليهو ما كان تستهبل.. لأنو الأستاذ افتكرك ما عارف لون الحمار!
الزي واللبس عند أستاذ تاج السر نعمان:-
وقتها كانت الجلاليب الملونة موضة.. يحب يلبس الجلاليب الملونة، وعندو ثلاثة ألوان يتعاطاها، جلابية بيضاء، وجلابية سمنية، وجلابية زرقاء أزرق خفيف. معظم جلاليبه لايميل الى جلابية فيها( كتشليق) يعني مقفولة مدورة رقبتها بدون زراير.. والعمة شئ أساسي عند جميع المعلمين، الذين بعضهم كان يلبس بناطليناً.. وأحياناً أردية وقميص.. أستاذ بكري من المحس، كان يميل دائماً الى لبس الرداء والقميص.. رداء كاكي.. أما استاذ تاج السر كان لايلبس البناطلين مطلقاَ.. مربوع القامة، صافي اللون كوالدته، العمدة يميل الى السمار، دائم البسمة، صبوح الوجه، دائر الوجه،لايشبه العمدة في سماره، إلا ابنه ميرغني الذي توفى في شبابه عليه الرحمة 11 سنة.. أما كل أولاد العمدة لونهم يميل الى البياض واللون الفاتح، أما شكلاً، فإنهم يشبهونه جميعهم، ولكنهم أخذوا العواطف الجياشة والطيبة، من والدتهم الروضة، حيث كانت هي مفعمة المشاعر، جياشة العاطفة.. أما العمدة فكان صارماً حكيماً في معظم أوقاته.
كان تاج السر في أول عهده، يتعاطي السعوط، ولكنه يتعاطاه بظرافة، مكتب المدرسين، كان بعد أولى طوالي بالشباك الخلفي للمكتب نجد سفة السعوط صغييرة ناشفة.. كنا في( الصحة نظافة) التي يطلع فيها جميع طلبة الفصول ينظفون حوش المدرسة، لابد ان نمر خلف مكتب المعلمين، نأخذ بواقي السفة الناشفة، كنا نميز بينها وبين بواقي سفة استاذ عبيد موسي، سفة استاذ تاج السر تقع ناشفة مدردمة. وسفة عبيد موسي تقع جايطة مشرتقة.. وكلتاهما ناشفتان.. نأخذ هذه البواقي والورق والأوساخ من حوش المدرسة، ولكني في الإجازة الصيفية، وجدت أن أستاذ تاج السر قلل من استعمال السعوط، وصار يتعاطى السجاير.. وسجاير غريبة على البلد.. جابا من وين موش عارف( كليوباتره) السجاير المصرية.. وجدته في غير يوم السوق قاعد في دكان عمنا محوماااد ود الخليفة جد سلمان عقيد، الذي اعتاد أن يضع عنقريباً في وسط الدكان ينبطح عليه.. تاج السر كان قاعد على كرسي جنب ماكينة الخياطة، بتاعة سلمان محمد الخليفة ، الابن الأول لمحمد الخليفة، كان ترزياً وكانت له ماكينة خياطة داخل الدكان.
تاج السر فتح صندوق الكليو باتره وأشعل منه سيجارة.. وصار يفرج في الحاضرين في نوعية السجاير هذه، كانوا يتحسسونها باياديهم، ويقولون سبحان الله.. سجاير ريحتا دي ذاتا خلاقي!
لم أجرؤ على أن أتحسسها مثلهم، خوفاً من معلمي، وبالطبع لم يمدها لى هو، كان هنالك حاجزاً رهيباً من الخوف، بين الأساتذة والتلاميذ، حتى الآن أتعامل مع أستاذ تاج السر بكل حذر من شدة الخوف الذي ترسب في أعماقنا وقتها أيام الدراسة.
بعد شوية طلع تاج السر من جيبو فتيلة عطر( قلامور) كانت تقليعة وقتها.. شمم منها الحاضرين.. كانت رائحة تاج السر دائماً مميزة وسط الأساتذة، حيث كان العطر لايفارق جسده، يفوح من جلبابه في كل الأوقات.. حتى كان ضربك كف ويدو مليانة طباشير تشتم من خلال لون الطباشير الذي على جضمك، تشتم رائحة العطر العقبة التي خلفها الكف على جضمك.
كان أستاذ تاج السر يمازح، ولكنه لايجامل في الدراسة، ويتعامل معنا بشدة بالغة..ينسى وقتها الحلة والأهل والجيرة، ويصبح كأنو ما بيعرفك.له جرة صوت مميزة تعرفه بها قبل أن تشوفه، نحنحة مع جرة حلق للداخل من أثر برد أو شئ أو جيوب أنفيه، كانت لغة صوتية، نميزه بها قبل ما نشوفه، ونعمل حسابنا منه.
درسنا سنة أولى كلها..كان يعلمنا الصلاة والوضوء، كمقرر، وكان يحدثنا في حصة الدين عن الجنة.. وأنك في الجنة بس تتمنى أي حاجة تجيك، كنا نندهش، كان يقول: لو نيتك في برتكانة، بس تقول يا ربي عايز برتكانة منقرشة وجاهزة.. طوالي تلقى البرتكانة جنبك، كنا نستغرب، لأننا وقتما كنا نشتهي البرتقال، نذهب الى جنينة العمدة خلسة، ونقطع برتقال ونهرب.. ولكن وقتما ينضج حصادها، كان العمدة يعطي منها الوالد من ثمارها، وثمار المنقة.. البرتقال يكاد يكون غير موجود في المناصير كلها غير جنينة العمدة.
ونحن في سنة أولى ابتدائي، كنا في الداخليه، جاب تاج السر نعمان قطع كرتون، وغلفها بورق أبيض ناصع، وكتب عليها أسماء العنابر وثبت كل لوحة أعلى باب العنبر، وسمى العنابر بأسماء المديريات
1 عنبر الشمالية
2 عنبر كسلا
3 عنبر النيل الأزرق
4 عنبر النيل الأبيض
5 عنبر كردفان
6 عنبر دارفور
7 عنبر الاستوائية
8 عنبر بحر الغزال
كانت مخطوطة بلون أحمر راقي.. كان أستاذاً خطاطاً للغاية، بدون دراسة خط.. كلفنه معلمات المدرسة الابتدائية بنات أن يعمل لهم لوحة لمدرستهن، قام بعملها على حديد بالبوهية كأحسن ما يكون.. كان كضابط داخلية يسكن في غرفة المدرسين في أول حوش الداخلية بالقرب من الباب.. مقابل لسكن ناظر المدرسة.. ثم بعد ذلك وبعد أن أوكلت الداخلية للأستاذ محمد علي بابكر، انتقل هو لسكن المعلمين الخارجي خارج حوش الداخلية، وبالقرب من سكن جماعة الصحة..عز الدين رئيس جماعة الصحة من بابنوسة، كان رجلاً فارعاَ في الطول، نظيف الجسم..انتهت هذه الظاهرة السيئة من السودان، وقتما كان يحمل بعضنا مخلفات بعض، ونوعية معينة من الناس كانت تقوم بهذا الشئ.. بطيب خاطرهم. وبدون إملاءات.
مرت الأيام والشهور وانتهينا من الصف الأول وانتقلنا إلى الصف الثاني.. لم يدرسنا تاج السر في الصف الثاني جملة وتفصيلا.. وإنما الدراسة في الصف الثاني كانت مناوبة بين بعض الأساتذة، منهم أستاذ محمد شريف الطيب سعد، من مقرات من السنجراب.. ومنهم أستاذ بكري من المحس، ومنهم ناظر المدرسة نفسه، اسمه صالح من حلفا..اختلفت سنة تانية من سنة أولى.. كنا ثلاثة طلبة نجيد الخط لدرجة بعيدة.. ولذلك مكافاة من المدرسة صرفت لنا محابر.. سنة تانية وإنت ماشي كنبها فيهو تخريم لمكان المحابر.. وسنة أولى حيث الكتابة كلها كانت بأقلام الرصاص، كنبها مافيهو مكان للمحابر..نحن في سنة تانية كثلاثة طلبة خطاطين، صرفت لنا المحابر حيث كان الوضع الطبيعي تصرف المحابر في صف ثالت، نكتب بالريش والسنن.. ريشة فيها سنة تشتريها من الدكاكين، وتكتب بها سعر السنة الواحدة تعريفة هي من النحاس حتى لاتصدأ.. وعندها مكان في الريشة تركبها فيهو.. مافي زول عندو قلم بي ملاي.. الأقلام البي ملاي عرفناها في سنة ثالثة.. وحتى رابعة وهي سنة نهائية كان معظم الطلبة يكتبوا بالريش. في سنة تانية دخلت مادة الطبيعة في الدراسة وهي مادة الجغرافيا الآن.. كنا نكورك( الحصة طبيعة... الحصة طبيعة...) عاجبانا الكلمة دي..
هنا كان يدرس أستاذ تاج السر الصف الثالث قبلنا رياضيات.. وكان يدرس صف رابع مادة الدين..
نجمان برزا في أولاد المشايخة:-
هما أحمد محمد عثمان( كارس) وتاج السر نعمان عثمان.. كارس جذب محبة الكبار من الشيب والشياب من الجنسين،بأدبه الجم، واحترامه لهم ، وتوقيره لهم، والسعي في تذليل حاجياتهم والعمل على الصلح بين الناس، قبل ما تستفحل المشاكل، وتاج السر نعمان جذب قلوب الشباب،هذا في المجتمع العام، قبل مجتمع المدارس، وكان هنالك تنافس خفي، بين هذين الشخصيتين، كل منهما يسعى لنيل الدرجة الأولى في محبة الناس والمجتمع له، قد لا يلاحظ ذلك الشخص العادي ، هذا التنافس الغير محموم، ولكن يلاحظه كل شخص حصيف ومتقدر. وكلمة كارس جاءت من اسم الخواجة جارلس الذي كان في مركز بربر قبل الاستقلال، وكان يزور المشايخ والعمد في قرية السلمات، بغرض التأكد من سير العدالة بين آونة وأخرى، ولما ولد كارس كان ابيض اللون، فشبهه الناس بالخواجة جارلس، ولكن ناس البلد لايقدرون على نطق إسم الإنجليزية فحرفت الكلمة الى كارس، أما بعض الأساتذة فكانوا يتحذلقون، وينادونه جارلس.. كما هي في الإنجليزية، هؤلاء الشابان سرقوا الأضواء في المجتمع، وكما ذكرت أنه كان هنالك تنافس خفي بينهما في ولوج قمة الريادة ، أيهما على الآخر، من غير ما تحرك هذه المنافسة البغضاء بينهما، كيف لا وهما أبناء عمومة وكارس متزوج أخت تاج السر نعمان الكبرى، فكان مثلا يوم الجمعة وفي مركب عبد الله ود العجمي في مشرعنا في الغرب المركب مليانة بالطلبة، وفيها تاج السر نعمان ومنتظرين كارس يحضر، فتجد مثلاً يقوم تاج السر يقول ( كارس بطئ ما بيمشى بسرعة، حقو يا عم عبد الله نقطع) وكارس مهذب في أي شئ حتى في مشيه وكلامه وهدوئه وضحكته.. كمان حاجة تانية في المدرسة فجأة يسأل كارس لما لم يجد أستاذ تاج السر، يقول: وين أستاذ تاج السر؟ يقولوا ليه مشى السلمات.. يقول كارس( هرب يعني؟ أنا عارفو بطنو مغلباهو ما بيقدر من اللحم الليلة لحم السوق) وكان هذا عادة يكون يوم الإثنين و استاذ تاج السر ما بيقدر من لحم السوق، وكانت أمه الروضة مدلعاه شوية.. كانت تخصص له حوالي كليو لحم من جزاره الوالد حاج عبد الله تشويه له على الفحم، ويشرب وراه كباية شاي ويرجع للمدرسة، كان يحصل هذا طبعاً بعد اليوم الدراسي، ولكن تجد كارلس رحمه الله يعلق على ذلك.
وكانت الروضة زوجة العمدة وهي صديقة أمي تحكي لها هذا الشئ وهي تضحك. وتقول لها( أنا تاج السر حاجي في نفسو ما بحرمو ليها، كل يوم سوق بنتظروا وأرسل ليهو من جزارة ناس حاج عبد الله كليو لحم وأشويهو ليهو ويشرب وراه شاي وأديهو دَبـْلـَةْ فوق ضهرو وأقول ليهو يلا روح مدرستك وتلاميذك) دبلة يعني ضربة على ظهره.. فكان أستاذ كارس يسخر من هذا الشئ ويقول تاج السر مدلع..
كان أستاذ تاج السر لايحب الواسطة ولا التوسط في شئ في حقل التعليم ولا يحب تدخل أولياء الأمور في شئون الطلبة.. وكان يعاقب الطالب بالجلد لما يتدخل ولي أمره، بل ويبغض الطالب، ولعمري كان هو على حق، حيث كان المعلم وقتها يكاد يكون هو ولي أمر الطالب الحقيقي في أي شئ يعرف مصلحته ويعينه عليها، ثم لأن معظم أولياء الأمور كان يسود الجهل المطبق بينهم، ومعظمهم لايدرون مصلحة ابنهم.
مرة في المشرع والطلبة كلهم مجتمعين في المركب، كانت يومها مركب والدنا قبل أن يحضر اللنش، قال الوالد لأستاذ تاج السر( يا السر نحن صديق ده عايزنو يجينا كل أسبوع بدل كل أسبوعين لعامة الطلبة، عشان أهلو قريب، وعشان عندي المركب بقطعو بيها، وبعدين نحن ما راح نشغلو في الخميس والجمعة عشان ينسى دروسو) كان هذا طلب أمي بالليل، كانت تتحدث هكذا وتقول لى أبوي كلم السر قول ليهو نحن الصدوق عايزنو يجينا كل خميس.. أبوي شالو بي حذافيرو وجاء كلم بيهو أستاذ تاج السر.. جن جنوني لسماع هذا الكلام وتمنيت أن تخسف بي الارض، لأني أعرف أن أستاذ تاج السر لايرضى هذا الكلام، ونحن كنا في صف ثاني ابتدائي.. ليه عشان قبل هذا الكلام، أستاذ تاج السر قال في المدرسة في الطابور الصباحي ، أمام الناظر، وتاج السر كان مشرفاً على طابور الصباح الذي يحضره ناظر المدرسة وعموم الأساتذه..
قال أستاذ تاج السر الآتي، بعد صفااا... إنتباه... قال الآتي( نحن قررنا قبل عام إنو أولاد الداخلية ما يذهبوا كل أسبوع.. مافي شئ عند اهلكم يخليكم تذهبوا كل أسبوع، غير ما يخدموكم ويحفروكم البوغة، ويقولوا ليكم اسقوا الحمير! وتروح قرايتكم من راسكم..نحن مواصلين في إتفاقنا مع الناظر ومع متعهد المدرسة، إنو يوم الخميس البي يقعدوا الطلبة، بدل خروف واحد للداخلية يضبحوا خروفين.. عشان كدة مافي طالب يجيني يقول لى أنا ماشي أهلي) ولعمري كان متعهد المدرسة كل يوم يضبح خروف للداخلية..
أها لما سمعت هذا الكلام الذي دار بين أستاذ تاج السر والوالد جن جنوني وسلفاً أعرف أن هذا الكلام عكس توجهات أستاذ تاج السر، وأنه سوف يحاسبني محاسبة دقيقة، خاصة إذا غلطت في حصة من الحصص التي يدرسنا لها.. طوالي راح يقول لى( إنت ياخي فايق لينا من المساسقة على الغرب..) وإن كان في دخيلة نفسي فرحان بهذا الطلب، لأن حكاية الخروفين ما بتفرحنى، لأنو اصلو كل يوم جمعة يا ضبحنا عتود. يا اشترينا لحم، ناس سوق النعوفاب كانوا يضبحوا بالجمعة. بهيمة صغيرة كدة يتقسموها عليهم، أو خروف يشتركوهو ناس الحلال المجاورة.. السلمات والضقولة والحنانين والنعوفاب وناس البللاب.. الخروف دابو ودابن..
أستاذ تاج السر كان عندو احترام خاص للوالد كزول من وجهاء البلد، وكزول صديق للعمدة، وكثيرا ما كان العمدة يحضر لزوجته الثانية في الضقولة ويمكث مع الوالد في الخلوة يتناول بعض القضايا الخاصة بالناس، وقتها كانت العمودية شغالة.. والحكم كان بيد العمدة.. وزوجة العمدة الثانية برضو اسمها الروضة وهي شقيقة معلم الأجيال سليمان أحمد نعمان قريب محمد بروي ومتزوج سليمان هذا بنت خالتنا بنت الفكي على ضقولي جاره..
أها العمدة كان نحن أطفال نشوفوا قبل صلاة المغرب طالع بي إبريقو خور الحنانين لافوق ليقضي حاجته، بعد ذلك لايذهب للضقولة وإنما يحضر للوالد في الخلوة يصلوا المغرب مع بعض وأمي تسوي ليهم شاي المغرب الصاموتي بالمحريب والربل.. ويتكيف العمدة لهذا الشئ، كان أبوي يحمينا نكب الشاي للعمدة ويقول ما بتعرفوا تكبوا تدفقوا الشاي وترشقوا فوق الصينية أو تملوا الكبايي لامن تدفق، أو ما تتموها بالشاي لامن تتعلموا كب الشاي.. نجلس جنبهم على الحصى.. كان العمدة يطرح قضايا. ساقية ناس فلان وساقية ناس فلان.. وقضيتهم يوم كدا.. وفلان داك إتعارض ليهم. وفلان داك ضرب فلان.. نسجنوا والله نغرموا.. وهكذا.. كان العمدة يستنير بآراء الوالد.. كنت أنبسط من هذا الشئ.. أن العمدة يستنير بآ راء الوالد.. ولكن أنا كشخص يبحث من وراء الأمور ومعجب بوالده وعندي موهبة تحسس الأشياء، كنت أنتظر لامن يجي يوم المحكمة، واسأل أو اشوف القضية البحثوها في الخلوة عندنا صاحبها عملوا ليهو شنو؟ غرموه .. سجنوه... السجن كان يسفروك بربر. يسجنوك هناك.. عشان مافي سجن في السلمات.. عفوهو عملوا ليهو شنو؟ كنت أجد كثيرا من القضايا التي حكمت مطابقة لنصيحة الوالد التي ذكرها في الخلوة للعمدة، وافرح لهذا الشئ، برضو لاحظت أن الوالد يحد من غلواء العمدة تجاه المتخاصمين.. ولا يجنح الوالد بالنصيحة للسجن.. يوصي بالغرامة.. أو الإعفاء أو الصلح..
أها لما ذكر الوالد لتاج السر إنو الصدوق ده عايزنو يجينا كل خميس..طوالي أستاذ تاج السر بلا تردد قال: مافي مشكلة يحضر.. اندهشت لسرعة الموافقة.. واصلاً أستاذ تاج السر عندو إحترام للوالد كبير جداً.. لكن خشيت أن يظن أستاذ تاج السر أن هذا الطلب نابع من صديق نفسه.. بعدها أ ذا به يسمح لى بالحضور كل أسبوع، والحق يقال لم يوبخني يوماً في غلطة غلطتها في الدراسة ولم يوبخني على الذهاب الى أهلى مطلقاً..
بالرغم من أن أستاذ تاج السر نعمان كان صارماً في التدريس بقدر ما كان مرحاً خارج حقل التدريس، وذو طرفة وملحة ونكته، كان دائم البسمة كأمه الروضة، هاشاً باشاً في نفوس الناس.. كانت تربيزته مواجهة للباب في مكتب المعلمين، في آخر سنة ثانية بدأ يدرسنا طبيعة أي جغرافيا.. بعد أن رحل عنا أستاذ بكري المحسي.. ورحل عنا أستاذ محمد شريف الطيب سعد من مقرات، وجاءنا كتعيين جديد من معهد التربية لتوه الأستاذ محمد صالح البحاري وكذلك جاءنا الأستاذ محمد علي بابكر من سور لتوه متعيناً جديداً.. وجاءنا أستاذ اللحمود من بربر الذي ذكره محمد بروي وكان أستاذاً غريباً متقلب المزاج، وقد ذكر حمود أنه ضرب عيسى بروي على رجله حتى تورمت، وجاءت بت سليمان أمه وهاجت وماجت وكانت هذه القصة سبباً في أن يترك عيسى المدرسة في بداية الصف الرابع..
كان أستاذ تاج السر يدرسنا الطبيعة في نهاية الصف الثاني.. وكان لكل طالب كراسة للطبيعة
مسجل فيها
البلد... الثروه.. الغذاء.. النشاط الإقتصادي.. عدد السكان.. وقسم لنا أستاذ تاج السر الكراسة بالمسطرة.. لحظتها أنا نسيت أكتب الثروة ونسيت أعمل لها تسطيراً.. وجاءت الإجازة الصيفية وأخذت الكراسة معي.. وكان أستاذ تاج السر يصحح الكراسات كل يوم ويتفقدها، فظللت طوال إجازة الصيف خائفاً، كلما أتذكر هذا الموضوع وأنا أعوم، أو أشرك للطيور، فجأة أتذكر هذا الموضوع، لأني لا أستطيع أن أبدل التسطير، وسلفاً لقد قمت بالكتابة بريشة الحبر، لأنه في الفترة الأولى وقبل الإجازة الصيفية ونحن في الصف الثاني، قد أشاد بنا أستاذ تاج السر نحن ثلاثة طلبة، خطنا جميل، وكراساتنا نظيفة، ولانغلط في الإملاء، ولذلك أخذنا إمتيازاً دون بقية الطلبة وصرفوا لنا محابر أمام أدراجنا، ورغم شقاوة الطلبة ، ولكن يستحيل واحد من الطلبة يمد يده على محابرنا خلال الفسحة، أو بين الحصص، لماذا، لأن هذه خطوط حمراء، تستاهل عليها الجلد في الطابور الصباحي، وإذا وجدوا جلابيتك بها بقع حبر وأنت لست في الصف الثالث أو الرابع أو من الطلبة المصرح لهم باستخدام المحابر من الصف الثاني، فإن قيامتك سودة هذه اللحظة..
أما بخصوص كراستي التي نسيت أن أكتب فيها قسم الثروة، وهي مسطرة من أول الصفحة الى آخر الصفحة، أول ما فتحت المدرسة، أخذت الكراسة على استحياء وخجل وخوف، ووقفت أمام تربيزة أستاذ تاج السر، لاحظ حالتي وشعر أني مضطرباً.. وخائفاً.. شرحت له الغلط الذي بدر مني.. ضحك وقال الآتي( صديق دي دايرة ليها كلام! ومسك المسطرة ووضع تسطير جديد، وكتب عليه كل ثروات البلاد بقلم التصحيح الأحمر.. وصحح لى وإعطاني الكراسة وقال لى تاني ما تنسى..إنت طالب نجيب، كيف فاتت عليك دي!) فرحت وانصرفت.. ولكنه قد فعل شيئاً غير محبب وهو كتب كل الكتابات الضائعة عن الثروة بقلم التصحيح الأحمر وكان هذا غير محبب أن يكتب على كراستك بقلم التصحيح... وكان وقتها قلم التصحيح من الأشياء المحرمة أن يمتلكه الطالب.. ولا يجده وغير موجود في دكاكين شري كلها.. وكانت تعليمية الدامر تصرف للمعلمين أقلام التصحيح... وهو قلم طويل ملون أحمر فقط ولايسمح بألوان أخرى.. هو شبيه بقلم الألوان.. اقلام الشمع الآن.. ليس بسائل.. وعليه كتابة اس آر باللغة الإنجليزية.. وله رائحة مميزة.. وكانت جريمة كبرى أن يكون في يد طالب قلم تصحيح، لماذا! من وين جابوا والبلد كلها والدكاكين ما فيها اقلام تصحيح، ثانياً لماذا تحتفظ وأنت طالب قلم تصحيح لازم يكون عايز تزور أو تصحح لنفسك.. ولذلك من يمتلك قلم تصحيح عقابه الجلد في الطابور الصباحي.. حتى أقلام التصحيح لما تكمل على المعلمين ويبقى فيها جزو صغير زي 2 سنتمتر مثلاً يلقونها في سلة المهملات.. فيمنع منعاً باتاً أي طالب أن يأخذ هذه البواقي..
لازلت أحتفظ بطريقة إمضاء أستاذ تاج السر منذ عام1963 لا أدري غير إمضاءه طوال هذه السنين أم لايزال كما هو.. أما أنا فما زلت أقلد تقليداً بارعاً إمضاءه، سوف أكتبه بخط اليد وأنزله في صفحة التصوير، لمن شاء أن يشاهده..
تلحين الأناشيد المدرسية:-
بدأت عندي موهبة الغناء والتلحين منذ الصف الأول الابتدائي:-
فقد كنت اشترك في ليلة السمر التي تقام كل أسبوع في المدرسة، كان الفنانون عيسى بروي كان في الصف الثالث ونحن وحمود شقيقه في الصف الأول.. كان من الفنانين الأخر. زين العابدين الحسن عثمان من جزيرة سور.. وسرالختم محجوب علي القاضي من جزيرة سور، ونور الهادي على العطا من جزيرة سور، ومحمد الأمين علي الحسن من جزيرة سور، وحسن محمد سعيد كان يشترك معي في المديح فقط نقلد أولاد حاج الماحي، وننشد مدحة بريدك يا البشير، وقوافل درجن ماشات.. على أحمد نبي الخيرات... ما كنا حافظين غير هاتين القصيدتين.. وكان هنالك على تومابي من ساني كان وقتها أهله يسكنون العتمور.. كان يمثل راعي الخريف، ويحضر حوالي عشرين طالب يمثلون الغنم والنعاج ويمشون على أربع كما السوائم، وغيرها من برامج الأنشطة.. أما تلحين القصائد المدرسية، فقد لحنت حوالي عشرين قصيدة من الصف الثاني وحتى الصف الرابع، في الصف الأول ما كانت هنالك قصائد.. كان فقط في حصة الدين.. طلع البدر علينا من ثنيات الوداع.. ولها لحن خالد وجدناه في المدرسة منذ افتتاحها... في سنة ثانية بدأت بتلحين قصيدة..
ألا طيري ألا طيري
وغني يا عصافيري
ولحنت
دجاجي يلقط الحب ويجري وهو فرحانا..
ألا طيري لحنتها على لحن من ألحان عميد الفن أحمد المصطفى.. وقد كان وقتها ملك الساحة. كان لايسمح لنا أن نلحن القصائد بإيقاع الدليب، وقد ذكر ذلك لنا أستاذ تاج السر نعمان وقال لى. عندما تريد تلحين قصيدة مدرسية لاتلحنها بإيقاع الدليب، لأنو مرات يجونا مفتشين من بربر ونحب نسمعم هذه القصائد وهم ناس صعيد لاينفعلون مع إيقاع الدليب، ولهم مسجلات مرات اللحن لما يعجبهم يسجلونه.. وبالفعل سجلوا لنا في زياراتهم في تفقد المدرسة لحناً أو لحنين..
وقد أعجبنا بلحن جاءنا مسجلاً مع المفتشين وفتحوا لنا المسجل في طابور الصباح واسمعوه المدرسة كلها.. وقال كان المفتشون معجبين غاية الإعجاب بهذا اللحن وأخذوه معهم الى بربر
واللحن كان في قمة الروعة لازلت أحفظه.. وقد قامت بتنفيذه مجموعة من طالبين من مدرسة كبنة الابتدائية.. واحد نسيت إسمه أما صاحب الصوت الجهوري الآخر فلا زلت اذكره.. إسمه محمد خليفة.. إفتكر اشتغل أستاذاً فيما بعد.. وقد زاملناه في مدرسة ابوحمد الوسطي كان الدفعة التي تسبقنا.. هو دفعة سليمان البرجوب وعبد الله حسن على عون الله.. كانوا يلقبونه في مدرسة اب حمد الوسطي بالـ( الكـَبـَكْ)
الأنشودة كانت تقول:-
أيها النيل سلسبيل ماؤك العذب الجميل
سر الحياة لى خليل.. آدم وحيوان وخميل
من الجنوب الى الشمال
تداعب أمواجك الرمال
سر الطبيعة الشيقة
زاهية وتجلت مشرقة
أعجبنا بهذا اللحن... وبعثنا الطالب حمزة الدقير محمد أحمد حجازي رحمه الله الى كبنة لكي يحضر لنا الأنشودة مكتوبة من هذا الطالب، وحمزة أمه عمتي بت عمة ابوي. ولكن والده من فقرة الحجازاب ويسكن حلة كوينة بالقرب من العمارين، بالضبط في يوم خميس وجمعة ذهب حمزة الى كبنة وأحضر الأنشودة مكتوبة في ورقة.. واشترط علينا حمزة أن يكون هو من ضمن المجموعة التي تؤديه، وكان صوته جميلاً رحمه الله. وبالفعل صرنا نؤديه بنفس لحن أولاد كبنة في الجمعية الأدبية
في الصف الثاني قسمنا أستاذ محمد شريف الطيب مدرس الطبيعة الى مجموعات..
مجموعة الزواحف
ومجموعة الطيور
ومجموعة الثديات
ومجموعة الحشرات والعناكب
وقال كل مجموعة تجيب أشياء نضعها في الصف على طاولات.. بالله خلينا ريحة الصف زي الميتة فيهو فطيسة.. الجاب ليهو صبرة ميتي ومعوبسي والجاب ليهو رخمة.. والجاب ليهو عقرب.. والجاب ليهو دقر.. والجاب ليهو نعجي ميتي ناشفي.. والجاب ليهو كانكيج ميت وناشف.. شهر كامل هذه المعروضات الصف ما بيندخل.. ونحن قاعدين جوه فيهو..
كنت في مجموعة الطيور، جببتا ( سرتويي) ميتي..( حدأة)
وصرنا ننشد
نحن الطيور أيها الإنسان
بذا الجمال خصنا الرحمن
سبحانه جملنا فلا عجب
إن حبنا أهل العقول والأدب..
وكل مجموعة لها نشيد تؤديه، وهو مكتوب في كتاب الطبيعة..
بعد شهر شلنا الرمم دي وفي خور أم لقاديب تحت الزنكي بتاع جدول بابور سليم علي الشاعر ولعنا فيها نار.. بتصريح من أستاذ الطبيعة محمد شريف الطيب سعد من مقرات.. سألت عنه الآن لابره.. عرفت أنه انتقل وصار من سكان العاصمة ولكنه اصيب بداء سكري مستفحل وبترت رجله، شفاه الله..
في سنة ثانية كنا محسودين نحن الطلبة الذين نكتب بالحبر.. كان هنالك طالباً من حلة التولاب يدعي عيسى صديق فضيلي وكان أكبر منا سناً.. وكان خطاطاً، قال لى ليه هو ما يدوهو يكتب بالحبر وايش معني إختاروكم انتم ولم يختاروه هو.. قلت له اسأل الأستاذ.. كان ذلك العصر ونحن نعلب في المدرسة أمام مكتب المعلمين.. فشالني فوق وضرب بي الدلجة حسداً.. ولكني تمكنت من أن ارميه واركب فوقو.. ظل ممكساً بإضنيني الإثنين ويجرهم جراً، وكان أظافره طويلة وأنا ماسك فيه من فوق وراكب فوقو وخايف منو يقوم من غفستو دي، لأنو اكبر مني وسوف يضربني وكان همي أن لا يقوم، وكان همه أن يخربش إضنيني بكلتا يديه.. جوا الطلبة يحجزونا ، لم يستطيعوا فكي منه.. وإضنيني الإثنين صارت تنزف دماً غزيراً.. جاء فراش المدرسة محمد سليمان سموعي وفكانا من بعض.. كل منا ذهب في حاله.. اليوم الثاني تورمت إضنيني.. وآثار الجروح عليها.. بالليل مسحتهم من دهن كركار كانت تعطيني له أمي لأمسح به الأرجل والأيادي من اثر تشقق البرد، كما كان يفعل معظم الطلبة في الداخلية مثل ذلك، وأمهاتهم تعطيهم هذا الدهن واصلاً مافي غيرو لاكريم لاغيرو.. وكنت خايف أذهب يوم الخميس أهلى وأن الجروح لاتزال في اذني وسوف تكبر المشكلة..ذهبت الصباح للعيادة لأحمد عليقي. قال لى دا شنو ده؟ قلت ليهو ولد شاكلني. قال لى ما عندي شي اديك ليهو.. أنا عندي برتمول. وفنيسثنفول.. بس في قزايز شراب.. ماعندي شئ لى إضنيك ديل! خليهم يخيروا براهم وامشي إشتكي الولد لى استاذ تاج السر..
لمان إتفاككنا من هذه الشكلة، عيسى صديق فضيلي كان خايف أني اشتكي.. ولذلك قال: البي يشتكي يكون مرة..( ما عارف المرة دي مالا... جبانة والله شنو؟ ماهي مخلوق جميل... ورياحين خلقنا لنا) ولذلك أنا لم اشتكي.. ولكن تاني يوم الصباح وجدنا أن فراش المدرسة سليمان سموعي بلغ أستاذ تاج السر.نادانا.. أعطي كل واحد عشرة جلدات وبطحنا قدام المكتب.. قال لى أنا جلدته عشان هو خاتي وجلدتك إنت عشان خفتا وما بلغتا.. وبخصوص قصة الحبر أنا سوف أحرمه من استعمال الحبر في سنة تانية وسنة ثالثة حتى لو هو خطاط.. عقابا له.. وبالفعل نفذ ذلك وظل القرار سارياً حتى انتقل هو الى الصف الرابع وغادر المدرسة وفصل من المدرسة لرسوبه المتكرر قبل الامتحان للمدارس الوسطى..
كان أستاذ تاج السر نعمان مميزاً بين الأساتذة من حيث مادته في التدريس، ومن حيث عشقه لمهنة التدريس، ومن حيث زيه، ووسامته ومكانته الاجتماعية بين الناس،كان يحب لعب كرة القدم، وكان يتميز في شوت الكورة، مرات يشوتها من المرمي الأول تقع قون في المرمى الثاني، وكان قبل بداية لعب الكورة يمارس هواية شوت الكورة لمسافات طويلة.. يقيف أمام القون الأول المتاخم لسور المدرسة جهة الحمامات، بالقرب من خشبة القون كانت هنالك دبورة ارض طينية عالية نسبياً، نقنطر له نحن الكورة ويشوتها، ويقول حالف لو ما وصلت زنك الجدول بتاع خور أم لقاديب ما يخليها، وكان يكرر المحاولة حتى يوصلها زنك خور أم لقاديب.. ونحن نجري نجيب له الكورة.. مرة يلعبوا دافوري بالكورة الكبيرة كورة الفريق بين الداخلية وسكن المعلمين الخارجي، هو و الأستاذمحمد محمد صالح البحاري والسيد حسن أحمد الفكي، شات الكورة شوتة قوية للغاية، حاول أن يتصدى لها السيد حسن الفكي، عن طريق الخطأ وقع على الكورة وانزلق حتى كاد أن يصاب بأذى، وفجأة نري السيد أنبرم كم برمة في الهواء واستقر على الأرض، كانت ضربة قوية للغاية، وقد علق أستاذ البحاري قائلاً.. لولا أن السيد شخصية رياضية ، لكانت هذه الضربة أودت بحياته.. كان تاج السر نعمان ذو قوة خارقة للغاية.
إنتقلنا من الصف الثاني للصف الثالث، وكان تاج السر نعمان يدرسنا في الصف الثالث مادة الرياضيات.. وكان يوم الثلاثاء يعطينا حصتين رياضيات وكانت الرياضيات تسمى( الحساب) كنا نسمي يوم الثلاثاء يوم القيامة.. لأنه يوم الجلد المبرح، كان تاج السر يصر على حل التمارين لهاتين الحصتين في الفصل، وليس خارج الفصل، حتى يضمن أن كل طالب حل الواجب بنفسه، وغالباً ماتكون المسائل حوالي 15 مسألة رياضية.. كان لايسمح لك استاذ تاج السر باي غلطة ولا مسألة واحدة.. وكان معروفاً لدينا.. كل مسألة غلط سوطين جلد على طاولة المعلمين تنبطح على الطاولة وعنده سوط عنج طويل، وعادة كان بعد حل المسائل، والناس الغلطانين يقول جيبوا دفتر العيادة.. واذهبوا للعيادة، عشان الحكيم باشا محمد عبد الحفيظ يقرر إنو ما فيكم واحد عيان، عشان ما يموت في إيدي ، أكون خالي طرف منو بشهادة الحكيم باشا، وكان الحكيم باشا يكتب على الدفتر بعد الكشف بالسماعة، كلهم أصحاء، ثم نأتي استعداداً للجلد، وكلنا خوف، الواحد فينا صاحب الغلطات، يرجف زي الحمامة المضبوحة، نجحونا بالخوف منا والإصرار منهم على نجاحنا.. في فترة حمل دفتر العيادة، كان المساعد الطبي محمد عبد الحفيظ يكتب لنا في فقرة الملاحظات كلهم أصحاء.. ولكن في الفترة الصباحية حينما يحملون الطلبة دفتر العيادة بغرض الاستشفاء كان يكتب على بعض أسماء الطلبة( متصنعين) ولا يعالجهم، ويقول هؤلاء زايغين من الطابور الصباحي عشان ما يفتشوهم ويفتشوا ملابسهم.. وكان يا ويل الطالب الذي يذهب للعيادة وتكتب ملاحظة تحت أسمه( متصنع) كان عقابه عشرة جلدات.. وقد كان بعض الطلبة تعتريهم بعض الأمراض ولكن يخافون من كتابة كلمة متصنع هذه، ويظلون بأمراضهم لايذهبون الى العيادة، خوف أن يفحص عليهم المساعد الطبي خطأ.. وعادة محمد عبد الحفيظ، قبل أن ينظر اليك كمريض، كان ينظر الى جلابيتك.. إذا متسخة يزيد الشك عنده ، أن هذا الطالب هارب من الطابور الصباحي..
وكان الكشف في الطابور الصباحي.. ينظر الأستاذ الى المظهر العام لجلابيتك.. وبعدين يقول ارفعوا جلاليبكم شوية كدة فوق الركبة حتى يظهر سروالك، فإذا سروالك متسخ تأخذ 3 ضربات بالمسطرة على ظهر أصابع يديك.. ثم يقول ضموا اياديكم حتى يرى الأظافر، إن كانت مقطعة أم طويلة، أيضا ثلاث ضربات بالمسطرة، إذا أظافرك طويلة أو متسخة.. مافي قلامة أظافر في البلد كلها، موس ميتة كدة تقطع بيها أظافرك..
كان أستاذ تاج السر هو ضابط الطابور الصباحي.. كذلك من عادات أستاذ تاج السر أن يكتب على السبورة والطباشيرة مبلله بالماء.. كان كل حصة يحضر معه 4 طبشيرات مبلله بالماء ليكتب بها على السبورة، كان رجلاً خطاطاً وكان يستمتع بالخط على السبورة بالطباشيرة المبللة.. عكس استاذ محمد محمد صالح البحاري الذي كان خطه لابأس به ولكنه هو وأستاذ عبيد موسى يكتبون على السبورة والطباشيرة ناشفة، في صف ثالث كان أستاذ تاج السر يدرسنا مادة الحساب وكانت لاتعرف بإسم الرياضيات، وكان أستاذ محمد محمد صالح البحاري يدرسنا مادة اللغة العربية، ومادة الطبيعة، وكان أستاذ عبيد موسى يدرسنا مادة التأريخ، كان هنالك درساً في مادة التأريخ يسمى( الفريد ورجال الشمال) وكان من صفات هذا الفريد أنه يحب الموسيقي، فكان أستاذ عبيد موسى يحضر معه الطنبور من راس الجزيري.. كنا نتعجب طنبور في المدرسة، ولكنا نفاجأ أن أستاذ عبيد موسي يورينا عملياً كيف أن الفريد المعني في درس التأريخ يحب الموسيقى، ولكن عبيد موسى كان يدق على الطنبور مقطوعة( الضو خزينا) هل ياترى يعرفها الفريد؟ أم انها مجرد موسيقى والسلام.. على العموم كنا نطرب ونعدها ترويحة، طنبور في الصف..هذه الفقرة..حكاية أستاذ عبيد موسى كان يدق الطنبور في الفصل بيان بالعمل لأن الدرس( الفريد ورجال الشمال) هذه الفقرة راحت بعض معالمها من ذاكرتي، ولكن ذكرني بها دفعتنا إبراهيم أحمد علي العقيد مدير مدرسة شري الثانوية بنات، ذكرني بها يوماً في جلسة في حلتنا في الحنانين، فعادت تفاصيلها الى ذاكرتي مجدداً..
كان تاج السر نعمان لبيساً، وسيماً، من أحسن الأساتذة زياً، يحب في ألوان الجلاليب ثلاثة ألوان، لايحب يلبس غيرها، جلابية بيضاء وجلابية سمنية، وجلابية أزرق فاتح، يحب خياطتها أن تكون الرقبة مقفولة بدون كتشليق وزراير.. ويحب من العطر وقتها فلور دامور.. وبروفاسي.. وقلاموور.. يتعطر بهن دائماً..
كانت عند أستاذ تاج السر مقدرة فائقة، وعزيمة قوية، أن يرتفق بالمكيفات، ولكن سرعان ما يتركها من غير أن تترك اثراَ ظاهراً عليه، تعلم السعوط وتركه، وتعلم السجاير وتركها، يشرب من السجائر أحسنها، روثمان.. كليوباترة.. بينسون.. أما حكاية الشرب التى تموج بها البلد موجاً فتركها باكراً ويكاد يكون مارسها لمرات معدودة، وقد كان سبب توبته منها، مرة في شري وكان معه أستاذ ذو قدر عالى من الأخلاق، ولما بلغ بهما السكر مبلغاً، لعبت الحكاية برأسيهما، فما كان من أستاذ تاج السر إلا أن يعتدي على هذا الاستاذ ويمزق جلابيته، فأستاذ تاج السر راجل حنين جداً، جاء الى الغرب من شري يبكي، وقابله والدنا عند المشرع في صبيحة اليوم التالي للمشكلة، فطمنه والدنا بأن الخبر لايصل للعمدة، وأن عليه أن يصافي ذلك الأستاذ ويعتذر له، وأن يترك الشراب، وبالفعل، كانت هذه آخر مرة، ولم يعد بعدها أستاذ تاج السر لهذه الاشياء، وقد رايته في فزع في السلمات، كان يوسف محمد توم عامل فزع لنقح بوغة، وداعي له جميع شباب السلمات والضقولة والحنانين والنعوفاب.. فكان أستاذ تاج السر في ضل التمر جالس لايمد يده للشرب. فقط تغدي مع الناس وفطر.. وكان يعزف على الطنبور، وقد كان يجيد العزف على الطنبور بصورة متقنة ، ولكنه أيضاً تركه، ولم يمارسه مستقبلاً..كان يجيد عزف الاستلاف.. النغمتين الرابعة والخامسة في سلوك الطنبور، وهي طريقة عزف حديثة، لم تظهر إلا مع الفنان إدريس إبراهيم ومارسها عبد الرحمن محمد صالح وعيسى بروي وسليمان محمد أحمد الشمباني في البلد..
قصة زواج أستاذ تاج السر الأولى:-
اختلط أستاذ تاج السر اختلاطا كاملاً بمجتمع شري الأخاذ وصار واحداً من ذلك المجتمع، نمت علاقة حب صافية عفيفة مصونة مع إحدى أخوات السر حسن صالح في قرية السبيباب، فتم الزواج وكان ذلك في عام 1970 تقريباً.. كان وقتها عريساً، يأخذه الوالد باللنش من السلمات الى شري هو وعروسته، يقضي أياما في السلمات ثم يعود الى شري، ولا يأخذ منه الوالد أجراً على رحلة اللنش، تقديراً لأستاذ تاج السر، واحتراما لصديقه العمده.. وقد أنجب منها بناتاً وأولادا.. ولكن هذه الزيجة لم تستمر طويلاً فقد داهم مرض القلب زوجته وحملها شقيقها السر حسن صالح للخرطوم طلباً للعلاج، كانت رحمها الله امرأة عالية الخلق، فرايحية، تحب الحياة بدون تعقيد.. كنا وقتها في العاصمة في الثمانينات ، كنا نزورها رحمها الله في مستشفى الشعب، تجلس على حافة السرير وتمازحنا وتقول( والله لو ربي أداني العافي، ماني مشتهى لي شئ، غير ملاح أخضر من جرف أمي الشريفة بت حاج بابكوور) وأنا لم ابلغ العشرين بعد.. كانت تقول( مشتهية شري، ومشتهية هبوب شري.. قفلوني هنا في المستشفى ده ريحتو دواا.. دواا.. طمم عليا) كانت تقول هذا الكلام وأنا جالس جنبها على حافة السرير ومعي مجموعة من النساء والرجال..كنا نبكي ونطمنها، حا ترجعي شري وياما شري هسي دي فيها جنس عروسات.. حاجة خفيفة وترجعي.. لا أزال أذكرها ممدة رجليها على حافة السرير وتحكي وتمازحنا..نظرت لرجليها شفتهم متورمات كتير، وخفت.. وكنت أعرف أن مرضى القلب، وقتما يتقدم بهم المرض، تورم رجليهم، من جراء عدم انتظام الدورة الدموية.. حنيت عليها ونزلت مني دمعة، لاحظتها هي.. وقالت.. صديق مالك..! قلت ليها لا مافي حاجة.. الحقيقة في حاجة، طاف بخاطري خاطر سريع وهواجس، وكأني بها لاتقدر ولن تستطيع أن تحقق أمنيتها، هذه البسيطة الغالية، كسرة بي ملاح ورق من جرف أمها الشريفة بت حاج بابكوور.. دار بخاطري هذا الهاجس المرعب، وقلت ياريت لو عندي جنحين، أنفذ ليها رغبتا دي هسي دي، أو أن اذهب لاي أسرة منصورية في العاصمة، أحضر لها طلبها، ولكن كيف هو! وأين هو! شرطها الأساسي هي عايزاهو في شري وعند أمها، ليت الأيام تمهلها، حتى تتذوقه وتتذوق هبوب شري، لقد كان القدر المحتوم، قبل أن تتذوقه. آه يا لها من مقادير كتبت علينا نمشيها، وكلنا أمام القدر المحتوم.. كل الناس نسوها، إلا أنا.. لأنها زوجة معلمي،ولأن أستاذ تاج السر لما يمد لأبوي 25 قرش حق الرحلة من شري وحتى السلمات باللنش، يرفض والدي الأجرة تقديراً لأستاذ تاج السر، كانت هي تغفلهم الأثنين وهي عروس، تدخل يدها في جيبي وتضع فيه شلن، وتقول بهمس، الصدوق ده حق الحلاوة.. أمسكه في صمت، حتى لا ألفت الأنظار ويحاسبني أبي، تبتسم هي وابتسم أنا من فرحة الشلن.. ولأنها بضعة من البلد التي علمتني، ولأن تأريخها أمانة في عنقي، حيث ينسى الناس قدر الناس ووميض حياتهم في هذه الدنيا الغابرة..
زيجة تاج السر الثانية:-
كذلك وقبل وفاة زوجة تاج السر الأولى.. نشأت علاقة طاهرة شريفة بين أستاذ تاج السر وإحدي معلمات مدرسة شري بنات.. وكانت أستاذة( دار النعيم) أم بناته وأولاده الأخريات.. كنا وقتها قد فارقنا مدرسة شري الابتدائية إلى الثانوي.. وهي من جهة بربر..وأبوسعد

اللهم اغفر لخالنا السر نعمان واسكنه فسيح جناتك

مشكور ياهندسة

بس ما عارف البوست ده ذكرني برنامج اسماء في حياتنا

الهم اغفر لـ عمنا تاج السر
وادخله الجنة ياحنان يامنان ياواسع الغفران اغفر له وارحمه واعف عنه واكرم نزله ووسع مدخله وأغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس له الرحمه والمغفره ول اسرته الصبر وحسن السلوان

لك من الشكر أجزله يا د . صديق لقد كانت كتابة هذا البو ست الرائع الذى يسرد سيرة هذا الصرح الشامخ ، إبان الأحداث التى مرت بها ليبيا حيث لاإتصالات ولا تواصل عبر الشبكه العنكبوتيه ، وقد مررت مؤخرا على هذا البوست بعد ورود خبر وفاة المرحوم الأستاذ السر نعمان ، فياله من بوست ويالها من سيرة . فهذا جهد مقدر تستحق الثناء عليه فقد كان المرحوم معلما فذا وإبن بلد أصيل جاد حين الجد وسهلا لا يحب التعقيد ظريفا مهذبا ودودا مهندما ماإلتقيته إلا هاشا باشا مبتسما وضاحكا يسلم بقوة وحرارة يشعرك بحبه وشوقه لك لاتسأم ولا تمل مجلسه تمضى الساعات معه وكأنها دقائق . وحسب ما أذكر أو يخيل إلى لا أدرى أنه حل محل المرحوم والده كعمدة للمناصير إبان تولى والده منصب نائب فى البرلمان فى أواسط الستينيات فيمكنك التحقق من ذلك يا باشمهندس هل هو كذلك أم لا . ألا رحم الله السر نعمان وأحمد محمد عثمان كارس فأجزهم خير الجزاء يارحمن وأسكنهم عالى الجنان ...

جزيت خيراَ يا باشمهندس الفكي.( أذكروا محاسن موتاكم) هو زي كان عايز يترشح للعمودية. ومارس حكم بسيط بالعادة بس.. ما لحق يترشح، جاء انقلاب مايو.. وحل الإدارة الأهلية.. بعد مسيرة طويلة في مايو شعر نميري بأن لاأحد يعرف شؤون الأقاليم زي ناسا.. ويعرف يحل المشاكل زي ناسا..
فقام نميري عناد منو، موش عايز يرجع الإدارة الأهلية.. فقام عمل المحاكم الشعبية التى تستمد سلطاتها من المجلس المحلية ومن المحافظة في الدامر.. وانتظمت المحكمة بأعضائها المعروفين عندك.. وفي فترة بالإنتخاب الناس عملو العمدة نعمان فترة كدة! ومعه أعضاء. حتى الناس والشعب الما عارف قال: العمدة عموديتو رجعت لو... وهي ليست عمودية.. برضو من العمد تولى المحكمة ردحاً من الزمان عمك عثمان أحمد سليمان... أما السر فقد ناى بنفسه عن الترشيح، هو حاول ولكن في ناس أثنوه عن هذا الموضوع

جزيت خيرا أخى صديق حقا فتلك الفترة كانت حبلى بالأحداث



الأرحم الله من سلفوا وأبقى وأدام لنا من خلفوا ...

اللهم اغفر له وارحمه واسكنه جناتك

يارب العالمين يارحمن يارحيم

أوووه حاتم أتيت بجديد
تاج السر في عنفوان شبابه رحمه الله.. صورة نادره

الأخ صديق هذا الرجل نسأل الله له الرحمة والمغفرة كان نعم المعلم وكان نعم الأخ لإخوانه رغم أنه كان ابن العمدة نعمان إلا أنه كان قمة في التواضع يجبرك على احترامه وصدقني ياصديق حتى آخر إجازة قابلته فيها كنت اتخيل وكأنني خارج من حصته ورائحة المعلمين ما زالت تفوح منه نسأل الله أن يغفر له ويرحمه بقدر ما قدم للمناصير. أم زوجته أم محمد فعلا كانت نعم الزوجة كانت لها هيبة وهندام وعزة نفس وهدوء معدوم النظير توفيت في عام 1986 في الخرطوم وأذكر ذلك جيدا لأن شقيقها السيد كان موجود معنا في الرياض ومن ساعة ما سمع بموت شقيقته قرر ترك السعودية نهائيا وفعلا سافر نهائيا وقد أثر في نفسه موت شيقيته وكبر والدته نسأل الله لهم الرحمة جميعا.

لهم الرحمة جميعا
رد جميل رائع منك لمعلمك يا دكتور مصباح.. وإضافت مشرقة. ربنا يرحمهم

تسلم مصباح ذكرتني بي تاريخ وفاتها وفعلا أنا كنت في العاصمة شغال في هندسة الهلتون. ولكن تحديداً نسيت سنة وفاتها..وقد كنت مداوم على زيارتها في المستشفى

مشكور أخى صديق وكل الأخوة المتداخلين فى هذا البوست الرائع روعة صاحبه جزاه الله خيرا فهذا الرجل يستحق أن تكتب فيه الكتب وتدون فهو شامخ راسخ متواضع جم الأدب وأذكر أنى كنت أخذت له صور بجانب سيارته اللاندروفر فى السوق وأعطيته منها نسخه ففرح بها فرحا شديدا وكذلك صورا أخرى بمدرسة شيرى مع بعض المدرسين . رحمه الله .

وين الصور دي يا الفكي!

شكراً باشمهندس أبوحنه نتمنى أن تجمع توثيقك هذا عن حياة الأستاذ السر العمدة فى كتاب حتي لاتضيع ذكرى هذا الرجل عند الأجيال القادمة.

رحمه الله. ده اول رمضان يمر وهو مافي..
ده رد جميل لى اساتذتنا الشرفاء الكرام ما بننساهم في رمضان

تتجدد ذكراه في نفوسنا هذا القامة، خاصة مع تباشير العيد السعيد

من المصادفات الجميلة ان تسكن بجواري بنفس العمارة منصورية
واكتشف ان شقيقها متزوج من بنت تاج السر الصغرى وهي ايضا بالمملكة
وان اخاها الاخر متزوج من بنت العمدة الصغرى ايضا

خليهم يقروا البوست ده يا أستاذة أميرة علي

اللهم ربى اغفر له وارحمه واجعله من اصحاب اليمين
الاخت اميرة دى بنته الصغرى سلمى فى المرحومة مريم بت حسن صالح
وخالها السرحسن صالح والسيد وزينب

نكمرق يا دكتور مصباح

ألا رحم الله الأستاذ تاج السر نعمان .

ياااااه كمان بي اي جيت يا باشمهندس الفكي؟
 أيوه زمان إنت قلتا عندك صورة لى أستاذ تاج السر رحمه الله

الصورة دى صورتها فى سوق النعوفاب زمان عام  1982