حصِّنها بالعدل, ورمّمها بتنقية طرقها من الظلم".
صفحة 1 من اصل 1
حصِّنها بالعدل, ورمّمها بتنقية طرقها من الظلم".
الظلم ظلمات.. والظلم ضياع.. والظلم هلاك.. وقد حكى القرآن الكريم كيف يقود الظلم إلى السقوط والهلاك بانتقام الله سبحانه وتعالي، ومن قوله: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ (الكهف: 59)، ويقول تعالي ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ (الأنبياء: 11).
وفي المقابل يقودنا الاستقراء التاريخي إلى الإيمان بـ"العدل" كقيمة إنسانية عظمى, ينطلق منها بقاء المجتمعات ونهوضها وتقدمها وقوتها وعظمتها وشموخها, وسيادة الأمن والطمأنينة والسلام الاجتماعي فيها، لذلك كان العدل من أهم أسس النظام الإسلامي, وهو قاعدة تلزم المسلمين جميعًا كلاًّ في مجاله, وخصوصًا الحكام يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58).
والعدل في الإسلام ليس عدلاً سطحيًّا, أو شكليًّا, ولكنه عدل سليم وعميق, ولا يسمح لصاحبه أن يحيد عنه قيد أنملة, أو يسمح لعاطفته أن تغلب عليه, مدفوعًا بحقد أو نقمة أو هوى، يقول تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: .
والعدل في الإسلام ذو مفهوم شامل, لا يقف عند حد, ولا يعجز أمام قويّ لقوته, ولا يهوِّن من شأن ضعيف لضعفه, بل القوي في الإسلام- كما قال أبو بكر رضي الله عنه- ضعيف إلى أن يؤخذ الحق منه, والضعيف قوي حتى يؤخذ الحق له".
متى يكون المظلوم كالظالم؟
ومن الفتوح العَقَدية والتربوية للإسلام أنه ساوى في الجُرم والإثم بين الظالم والمظلوم, إذا رضخ الأخير للظلم, ولم يهجر أرض الظلم, ويسع إلى أرض العدل والحرية والعيش الكريم يقول تعالي ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98)﴾ (النساء).
ولذلك لما اشتد إيذاء المشركين للمسلمين في مكة طلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ممن يستطيع منهم أن يهاجروا إلى الحبشة "لأن فيها ملكًا لا يُظلم عنده أحد" مع بُعٍد الشّقّة واختلاف الدين, مما يؤكد أنَّ الإسلام ينظر إلى "العدل" كقيمة عليا بصرف النظر عن اختلاف الأديان, فالمعروف أنَّ أرض الحبشة ليست أرضًا عربية, وأنَّ أهلها من النصارى, ولا يتكلمون لغة العرب, ومع ذلك كان العدل هو المنشود المرجوّ المطلوب.
حصنها بالعدل
وبالعدل تشتد قلوب الرعية, وتعيش في طمأنينةٍ وسلام, وتحيا صادقة الإخلاص, كاملة الولاء للعقيدة والأرض والراعي, وتسترخص الفداء والتضحية بالنفس, وبكل غالٍ ونفيس.
ومما يرويه التاريخ بفخرٍ واعتزازٍ أنَّ خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز (63- 101هـ) كتب إليه أحد عماله (ولاته) يطلب منه أن يُقطعه مالاً (أي يحدد له ميزانية) لترميم المدينة التي يتولى أمرها, ويبني حولها سورًا يحصّنها به، فكتب إليه الخليفة عمر بن عبد العزيز ردًّا يقول فيه: "... بل حصِّنها بالعدل, ورمّمها بتنقية طرقها من الظلم".
ولم يبالغ عمر- رضي الله عنه- فالسور الحجري سرعان ما ينهار تحت أقدام الأعداء إذا كانت الأمة مظلومة مرعوشة الكيان, لا تستشعر الولاء للوطن بسبب ظلم حكامها, أما "السور البشري" من مواطنين يعيشون العدل بكينونة قوية شامخة فهو الأقوى والأثبت, الذي لا يسقط ولا يهون.
وثمة واقعة أخرى في خلافة عمر, وهي أن "الجراح بن عبدالله" والي خراسان كتب إلى عمر بن عبدالعزيز: "إنَّ أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم, وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك"، فكتب إليه عمر ".. أما بعد, فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنَّ أهل خراسان قد ساءت رعيتهم, وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط, فقد كذبت, بل يصلحهم العدل والحق, فابسط ذلك فيهم والسلام".
وهو خبر أهديه لحكامنا الذين لا يؤمنون إلا بمنطق الظلم والقهر والقوة الغاشمة, والسجون والمعتقلات للأبرياء, بحجة المحافظة على أمن الأمة وسلامتها.
وفي المقابل يقودنا الاستقراء التاريخي إلى الإيمان بـ"العدل" كقيمة إنسانية عظمى, ينطلق منها بقاء المجتمعات ونهوضها وتقدمها وقوتها وعظمتها وشموخها, وسيادة الأمن والطمأنينة والسلام الاجتماعي فيها، لذلك كان العدل من أهم أسس النظام الإسلامي, وهو قاعدة تلزم المسلمين جميعًا كلاًّ في مجاله, وخصوصًا الحكام يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ (النساء: 58).
والعدل في الإسلام ليس عدلاً سطحيًّا, أو شكليًّا, ولكنه عدل سليم وعميق, ولا يسمح لصاحبه أن يحيد عنه قيد أنملة, أو يسمح لعاطفته أن تغلب عليه, مدفوعًا بحقد أو نقمة أو هوى، يقول تعالى: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: .
والعدل في الإسلام ذو مفهوم شامل, لا يقف عند حد, ولا يعجز أمام قويّ لقوته, ولا يهوِّن من شأن ضعيف لضعفه, بل القوي في الإسلام- كما قال أبو بكر رضي الله عنه- ضعيف إلى أن يؤخذ الحق منه, والضعيف قوي حتى يؤخذ الحق له".
متى يكون المظلوم كالظالم؟
ومن الفتوح العَقَدية والتربوية للإسلام أنه ساوى في الجُرم والإثم بين الظالم والمظلوم, إذا رضخ الأخير للظلم, ولم يهجر أرض الظلم, ويسع إلى أرض العدل والحرية والعيش الكريم يقول تعالي ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98)﴾ (النساء).
ولذلك لما اشتد إيذاء المشركين للمسلمين في مكة طلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ممن يستطيع منهم أن يهاجروا إلى الحبشة "لأن فيها ملكًا لا يُظلم عنده أحد" مع بُعٍد الشّقّة واختلاف الدين, مما يؤكد أنَّ الإسلام ينظر إلى "العدل" كقيمة عليا بصرف النظر عن اختلاف الأديان, فالمعروف أنَّ أرض الحبشة ليست أرضًا عربية, وأنَّ أهلها من النصارى, ولا يتكلمون لغة العرب, ومع ذلك كان العدل هو المنشود المرجوّ المطلوب.
حصنها بالعدل
وبالعدل تشتد قلوب الرعية, وتعيش في طمأنينةٍ وسلام, وتحيا صادقة الإخلاص, كاملة الولاء للعقيدة والأرض والراعي, وتسترخص الفداء والتضحية بالنفس, وبكل غالٍ ونفيس.
ومما يرويه التاريخ بفخرٍ واعتزازٍ أنَّ خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز (63- 101هـ) كتب إليه أحد عماله (ولاته) يطلب منه أن يُقطعه مالاً (أي يحدد له ميزانية) لترميم المدينة التي يتولى أمرها, ويبني حولها سورًا يحصّنها به، فكتب إليه الخليفة عمر بن عبد العزيز ردًّا يقول فيه: "... بل حصِّنها بالعدل, ورمّمها بتنقية طرقها من الظلم".
ولم يبالغ عمر- رضي الله عنه- فالسور الحجري سرعان ما ينهار تحت أقدام الأعداء إذا كانت الأمة مظلومة مرعوشة الكيان, لا تستشعر الولاء للوطن بسبب ظلم حكامها, أما "السور البشري" من مواطنين يعيشون العدل بكينونة قوية شامخة فهو الأقوى والأثبت, الذي لا يسقط ولا يهون.
وثمة واقعة أخرى في خلافة عمر, وهي أن "الجراح بن عبدالله" والي خراسان كتب إلى عمر بن عبدالعزيز: "إنَّ أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم, وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك"، فكتب إليه عمر ".. أما بعد, فقد بلغني كتابك تذكر فيه أنَّ أهل خراسان قد ساءت رعيتهم, وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط, فقد كذبت, بل يصلحهم العدل والحق, فابسط ذلك فيهم والسلام".
وهو خبر أهديه لحكامنا الذين لا يؤمنون إلا بمنطق الظلم والقهر والقوة الغاشمة, والسجون والمعتقلات للأبرياء, بحجة المحافظة على أمن الأمة وسلامتها.
mustafa omer Elhassan- ملـــــكي
- احترام قوانين المنتدى :
عدد المساهمات : 2024
نقاط : 32585
تاريخ التسجيل : 19/10/2010
رد: حصِّنها بالعدل, ورمّمها بتنقية طرقها من الظلم".
أضاعوني وأي فتى أضاعـوا//
ليـوم كريهـة وسـداد ثغـر
وخلونـي ومعتـرك المنايـا//
وقد شرعوا أسنتهم لنحـري
كأني لم أكن فيهـم وسيطـا//
ولم تك نسبتي في آل عمـرو
أجرر في الجوامع كـل يـوم//
ألا لله مظلمتـي وهـصـري
عسى الملك المجيب لمن دعاه//
سينجيني فيعلم كيف شكـري
فأجزي بالكرامـة أهـل ودي//
وأجزي بالضغينة أهل ضـري
ليـوم كريهـة وسـداد ثغـر
وخلونـي ومعتـرك المنايـا//
وقد شرعوا أسنتهم لنحـري
كأني لم أكن فيهـم وسيطـا//
ولم تك نسبتي في آل عمـرو
أجرر في الجوامع كـل يـوم//
ألا لله مظلمتـي وهـصـري
عسى الملك المجيب لمن دعاه//
سينجيني فيعلم كيف شكـري
فأجزي بالكرامـة أهـل ودي//
وأجزي بالضغينة أهل ضـري
mustafa omer Elhassan- ملـــــكي
- احترام قوانين المنتدى :
عدد المساهمات : 2024
نقاط : 32585
تاريخ التسجيل : 19/10/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى